آخر المواضيع

مرحبا بكم في موقع جرف الملحة سيتي...متمنياتنا لكم قضاء أطيب الأوقات


الثلاثاء، 31 يناير 2012

النقد الأدبي: الآراء النقدية للأصمعي

 يبدأ تاريخ النقد الأدبي لدى أمة ما مع ظهور أول أثر من آثار الإبداع الأدبي لأحد أبنائها،إذ لابد أن يلقى هذا الأثر استجابة ما ،تعبر عن الإحساس بقيمته تعبيرا إيجابيا أو سلبيا،يرِد في صورة حكم عفوي مباشر وسريع في أغلب الأحيان،ثم يرقى هذا الحكم الإنطباعي ويتطور برُقي حركة الأدب،وتطوُّر الحياة الفكرية والثقافية،ليصبح أكثر دقة وتركيزا،وأعمق تحليلا وتعليلا،وقد يعتمد فيه صاحبه بعض المعايير أو المقاييس النقدية البسيطة،كالمقارنة بين معنيين،والموازنة بين أثرين،والمفاضلة بين أديبين مع الإلمام بمجمل خصائصها الفنية البارزة إلماما سريعا ومتعجلا،كما هو الشأن فيما نقل الينا عن بعض أهل الجاهلية وما تلاها من عصور أدبية من أخبار ومفاضلات وأحكام نقدية،مما تحفل به كتب الأدب والنقد ومصادر دراستهما.
وتعنى به المراجع الحديثة التي تهتم بالنقد العربي بخاصة.

وتبعا لأبحاث النقاد والدارسين المهتمين بالنقد القديم،والذين نقبوا عن أول أثر نقدي مدوّن يفصح عن رأي صاحبه في الشعر والشعراء،ويعتمد على أسس محددة وواضحة،فإن أول أثر وصل الينا ،من هذا النوع،هوكتاب"فحولة الشعراء"للأصمعي،غير أنه لم يقُم بتدوينه بنفسه،وإنما تكلف ذلك تلميذه أبو حاتم السجستاني (_ت231هـ) إذ عمد الى تدوين أجوبة شيخه على أسئلته أو أسئلة غيره من تلامذته ومريديه حول آرائه في بعض الشعراء

وقد اقام الأصمعي معظم احكامه على أساس مبدأ نقدي ثابت ومحدد وهو "مبدأ الفحولة"إذ اتخذ منه معيارا نقديا للموازنة بين الشعراء وتفضيل بعضهم على بعض ،من خلال النظر في أشعارهم ومدى استيفائها لمجمل خصائصه واركانه.وقد ابرز كذلك أهم خصائص منهجه النقدي في أحد ردوده على تلميذه ابو حاتم السجستاني إذ سأله:"فما معنى الفحل؟قال:إن له مزية على غيره كمزية الفحل على الحِقاق،قال وبيت جرير يدلك على هذا:

وابن اللبون إذا ما كُنَّ في قَرَنٍ === لم يستطع صولة البزل القناعيس"(1)

 واذا ما تأملنا البيت ادركنا أن مفهوم الفحل في ذهن الأصمعي ،عبد الملك بن قريب الباهلي(ت_216هـ)،مرتبط بقدم العهد فـَ"ابن اللبون"من الشعراء ليس كـَ"البَازل"في قوته وقدرته الشعرية أسلوبا ونسجا وجودة.ولما كان قدم العهد في الشعر شرطا من شروط الفحولة نجده يسكت عن تقديم الثلاثة الإسلاميين جرير والفرزدق والأخطل،ويقول"هؤلاء لو كانوا في الجاهلية كان لهم شأن،ولاأقول فيهم شيئا لأنهم اسلاميون"،ويبدي إعجابه الشديد بـ"الأخطل"خاصة،فيقول بعد سماع إحدى قصائده"من قال لك إن في الدنيا أحداً قال مثلَها قبله ولابعده فلا تصدقه"دون ان يعترف بفحولته لحداثة عهده.

بيد أن قدم العهد وحده غير كاف لاكتساب الشاعر صفة الفحولة لديه،فلا بدله من توافر بعض الخصائص الأخرىأيضا،ومن أهمها كثرة الشعر أو كثرة الجيد منه على الأقل،ولذلك وجدناه يقول عن مهلهل بن ربيعة وهو من أقدم الشعراءالجاهليين عهدا:"ولو كان قال قوله:اليتنا بذي حسم أنيري،كان أفحلهم"،ويقول عن الحويدرة:"فلو قال مثل قصيدته(العينية)خمس قصائد كان فحلا" وترتبط جودة الشعر لدى الصمعي وأمثاله من النقاد بقوة في السبك وجزالة في الأسلوب وفصاحة في اللغة بروابط وثيقة،وهو ما يميز اشعار أهل البادية عن غيرهم من الشعراء الذين تأثرت أشعارهم بمؤثرات حضارية خاصة،كعدي بن زيد أحد ابناء ملوك الحيرة ،وكان على صلة قوية بالفُرس فَلاَن لسانه وضعف أسلوبه كما قال الأصمعي عنه:"ليس بفحل ولا أنثى".

وكان عبد الملك بن قريب الباهلي(الاصمعي)يتجه في نقده وجهة أخلاقية،طبعت أحكامه على بعض الشعراء،فنجده يقول عن الشماخ إنه فحل بينما لم يصف أخاه" مزرّدا"بهذه الصفة،فاكتفى بالقول"ليس بدون الشماخ،ولكنه أفسد شعره بما يهجوالناس"دون أن تخلو أحكامه من بعض التضارب مع قوله الشهير"الشعر نكدٌ بابه الشر،فإن أدخلته في باب الخير لانَ وضعف"

خلاصة القول،إن للأصمعي آراءً نقديةً أخرى كثيرة ومتنوعة مبثوثة في عدة مصادر ككتاب "الأغاني" ،و"الموشح"،و"العمدة"،وغيرها من الكتب التي تحفل بآرائه النقدية واحكامه،إلا انها  لاتخرج عن إطار الخصائص التي تم اجمالها.
 ------------------ -----------------
(1)-ابن اللبون:ولد الناقة-كُنّ:شُد- القَرن:الحبل المفتول-البزل ج بازل:وهوالبعير إذا بلغ التاسعة-القناعيس:الشداد الأقوياء
------------------------------------------------- 
المرجع :"فصول في النقد العربي وقضاياه"محمد خير شيخ موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق